مقالات

أزمة المناخ هي أزمة حقوق إنسان

15 يونيو 2022

باتت أزمة التغيّر المناخي أكثر المخاطر التي تهدد استقرار ومستقبل البشرية والكرة الأرضية، فهي تؤثر على جميع الأصعدة الحياتية للإنسان، كما وأنها هدّامة للبيئة. أكثر المواضيع شيوعا حين الحديث عن أزمة تغير المناخ هو تأثيرها على حياة البشر بشكل عام وكيفية التأقلم مع الأزمة أو التخفيف من آثارها. ولكن، هنالك جوانب أخرى لا تُمنح المنصة الكافية للحديث عنها وهي كون أزمة المناخ أزمة حقوق إنسان تؤثر على الفئات المجتمعية الضعيفة والحساسة، وكذلك الدور الذي تلعبه في تعميق الفجوات الاجتماعية والاقتصادية بين طبقات المجتمع.

إن المسبب الرئيسي للتغيّر المناخي هو انبعاث غازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي، وبناء طبقة تُغلّف الكرة الأرضية وتمنع أشعة الشمس التي اخترقت الغلاف من الخروج منه وبالتالي يؤدي ذلك إلى ارتفاع درجات حرارة الكرة الأرضية وإحداث تغييرات في المناخ. وبالإضافة إلى انبعاث غازات الدفيئة، نهب الإنسان للموارد الطبيعية وانتهاك البيئة مثل قطع الأشجار، ومحو الغابات والتوسع الحضري والتصحّر، كلّها تلعب دورا أساسيا في تفاقم الأزمة.

أزمة التغير المناخي، كأي أزمة أخرى، تحمل تهديدا كبيرا على مجموعة متنوعة من حقوق الإنسان كالحق في العيش، والحق في تقرير المصير، والحق في شرب مياه نظيفة، والحق في السكن، والحق في القوت. هذه الحقوق الأساسية لكل إنسان على وجه الكرة الأرضية هي حقوق مُدرجة في القانون الدولي، وتقع مسؤولية حمايتها على عاتق الحكومات في سياستها وإدارتها للأزمة. إن المناخ المتطرّف المتوقع خلال السنوات والعقود القريبة يُهدّد حياة الملايين من السكان، إذا كانوا سكان الجزر وبعض المدن الساحلية بسبب ارتفاع منسوب المياه، أو الدول الفقيرة التي لا تتوفر لديها الآليات الكافية لمواجهة الأزمة مثل الدول الغنية، كما وأن الغابات ستأكلها ألسنة النيران بسبب موجات الحر الشديد. إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يكون هناك نقص في مياه الشرب العذبة والنظيفة ونقص في الغذاء بسبب المناخ المتطرّف، ما سيُخلّف مئات الملايين من السكان دون وصولهم لمصادر المياه والقوت. سيؤدي هذا النقص إلى نزاعات داخلية وبين الشعوب، وتفاقم القومية وكره الأجانب ويؤجج العنف والحكم الاستبدادي، الأمر الذي يحمل في طيّاته خرقا سافرا لحقوق الإنسان.

حقوق أخرى تُخترق بشكل كبير كحق الناشطين البيئيين في العمل والتظاهر وحرية التعبير عن رأيهم، والأهم من كل هذا حقّهم في الحياة. تشهد بعض الدول زيادة في استهداف النشطاء البيئيين بسبب نشاطهم ومجال عملهم، وسعيهم لرفع الوعي المجتمعي وحشد المجتمع للعمل معهم.

تؤثر أزمة التغير المناخي بشكل غير متناسب على جميع الفئات المجتمعية، إذ إن الفئات الأكثر تضررا من التغيرات المناخية هي الفئات المجتمعية الضعيفة والحساسة، كالنساء والأطفال، والمسنين، وذوي الاحتياجات الخاصة، والأقليات، واللاجئين وسكان الدول الفقيرة. على سبيل المثال، سكان الجزر الموجودة في المحيط الهادئ والمعروفون بنمط حياتهم البسيط هم أول السكان المتضررين من أزمة المناخ بسبب ارتفاع منسوب المياه وغمر جزرهم بالكامل. مساهمة أولئك السكان في تفاقم أزمة المناخ ضئيلة جدا مقارنة بالدول الغنية والمتطورة، ولكنهم هم أول المتضررين وبشكل كبير. إن المجتمعات المتطورة والطبقات الغنية هي الفئات التي تساهم في أزمة المناخ وتلوّث أكثر بـأربع وعشرين مرة عن الطبقات الفقيرة والضعيفة، وذلك من خلال كثرة السفر في الطائرات، والبواخر، والسيارات الفاخرة كثيرة التلوّث، أو إذا كانوا من أصحاب المصالح الملوّثة كالمصانع أو عالم الأزياء، أو مجال اللحوم. كل هذه العوامل تلعب دورا كبيرا في التلوّث الهوائي، وانبعاثات غازات الدفيئة وبالتالي تفاقم التغييرات المناخية. لدى تلك الفئات حصّة كبيرة في أزمة المناخ ولكن من جهة أخرى، لديهم القدرة على حماية أنفسهم من آثار الأزمة بسبب الإمكانيات المتاحة أمامهم. بكلمات أخرى، تبعات أزمة المناخ كتبعات النظام الرأسمالي بحيث تعزز الفجوات الاجتماعية بين طبقات المجتمع، بل وتعميقها أكثر من خلال إضعاف الضعيف وبقاء القوي في مكانه.

يجب على هذه المعطيات أن تشكل ناقوس خطر أمام الحكومات لفهم وتذويت أن ازمة المناخ ليست أزمة بيئية فحسب، وإنما هي أزمة حقوق إنسان، وعواقبها لا تؤثر على البنى التحتية للدول أو على الاقتصاد والاستقرار، بل تعرّض حياة البشرية للخطر. عقدت الدول مؤخرا مؤتمر المناخ في مدينة جلاسكو في اسكتلندا، وتمخض المؤتمر عن سلسلة قرارات تلتزم فيها الدول لخفض انبعاثات غازات الدفيئة ومحاولة حصر ارتفاع درجات الحرارة بمعدل يمكن للإنسان أن يتعايش معه بعض الشيء. ولكن، هل بالفعل ستعمل جميع الدول الأكثر تلويثا لخفض انبعاثات غازات الدفيئة ووضع حقوق الإنسان في أعلى سلم أولوياتهن؟ هل ستتوقف الدول عن تدمير الغابات وتحويلها لمناطق عشبية، كما يحدث في غابات الأمازون والخطر الذي يحمله على السكان الأصليين ودور الغابات على التنوع البيولوجي؟ وإذا تم التعهد باستثمار المليارات في الدول الفقيرة هل سيكون هنالك من يتأكد أن تصل الميزانيات إلى الفئات الأكثر عرضة للخطر؟ هل هنالك من سيراقب عمل الحكومات واتخاذها نهجا يعتمد حقوق الإنسان في استراتيجيتها لمواجهة أزمة المناخ؟

لا يمكن محاربة واحتواء أزمة المناخ دون العمل على حماية السكان ووضعهم في أعلى سلم الأولويات، إذ إن محاربة الأزمة لا تُنفّذ على صعيد السياسات ومؤسسات الدولة فقط، وإنما من خلال استثمار جهود كافة المواطنين وبناء ثقة كاملة معهم وتوفير الحماية لهم. يتم بناء الثقة بين المجتمع ومؤسسات الدولة حين تقوم الحكومة بوضع استراتيجية عمل جادة تُشرك بها الجمعيات البيئية، وتُشجع العمل البيئي لحشد المجتمع بأكمله، وتقوم بسن قوانين تضمن الحقوق البيئية وتضمن الحفاظ على حقوق الإنسان للفئات الأكثر عُرضة للخطر.

الكاتبة هي ديمة ابو العسل مركزة إعلامية ومضامين في جمعية “مواطنون من أجل البيئة”.

شارك