دعوة لكل الناشطين وممثلي الجمهور لفتح النقاش, تحديد الأسئلة ومطالبة وزارة الصحة بفحص قضية نسبة المرض العالية عند سكان حيفا العرب وقضايا أخرى مشابهة المحامية جميلة هردل واكيم- مديرة القسم القانوني في جمعية مواطنين من أجل البيئة نتحدث كثيرا في السنوات الأخيرة عن نسبة الأمراض العالية لدى سكان منطقة خليج حيفا حيث تشير الاحصائيات والأبحاث الى أن نسبة الإصابة بأمراض خطيرة, خاصة السرطان بينهم تفوق نسبة الإصابة العامة في الدولة بنسب تتراوح بين 16-40 .% ولكن يتضح لنا اليوم أن سكان حيفا العرب هم الشريحة السباقة في نسبة المرض، حيث تشير الأرقام الى أن نسبة الأمراض السرطانية بشكل عام عند سكان حيفا العرب اعلى ب 40-41 %من باقي العرب في الدولة، نسبة سرطان الرئة عند الرجال اعلى ب %50، وسرطان الثدي عند النساء اعلى ب 44 %من باقي النساء العربيات. هناك أبحاث عالمية ومحلية تؤكد أن التلوث البيئي يسبب عددا كبيرا من الأمراض: أنواع عديدة من السرطان، الأمراض التنفسية، مشاكل القلب والأوعية الدموية وغيرها وحتى أنه يوثر على الأجنة. تشير بعض تلك الأبحاث إلى وجود علاقة سببية بين هذه النسب المرتفعة وبين تلوث الهواء العالي في المنطقة والتي تتميز بعدد كبير جدا من الصناعات الخطيرة خاصة المصانع البتروكيماوية وصناعات مشتقات النفط. مع ذلك، فإن من الصعب اثبات علاقة سببية شخصية مباشرة لدى شخص ما، لأن تطور هذه الأمراض عادة ينتج عن عدة عوامل، ذاتية وخارجية، ومن الصعب تحديد أيا منها كان ذو التأثير الأقوى في تطور المرض. ولكن، وبغض النظر عن إمكانية اثبات علاقة سببية مباشرة، لا شك أن هذه المعطيات مقلقة وبحاجة الى فحص أعمق خاصة أننا لا نعرف عن وجود مميزات خاصة لسكان حيفا العرب مقارنة بباقي العرب في الدولة بكل ما يتعلق بالعادات الشخصية، نمط الحياة أو عوامل وراثية إذ أن سكان المدينة، ان كان الأصليين منهم او الذين انتقلوا للعيش فيها، يمثلون كل شرائح المجتمع العربي ولا ينتمون لفئة عرقية أو قومية مختلفة. السؤال الذي يطرح هو لماذا لم تقم وزارة الصحة أو وزارة البيئة بنشر هذه المعلومات بشكل واضح ومفصل أمام الجمهور، والأهم من ذلك- لماذا لم تهتم حتى اليوم بفحص الأسباب. في محاولة أولية للبحث عن الأسباب يتبادر الى الأذهان فورا مبدأ العدل البيئي او بالأصح انعدام العدل البيئي، الذي يفحص كيف يؤثر التلوث على فئات تختلف عن بعضها البعض من الناحية الاقتصادية والاجتماعية حيث أثبت أن تأثير الظروف البيئية على الصحة ليس متشابها على الجميع وأن الطبقات المستضعفة التي تعاني من تدني اقتصادي واجتماعي، تمييز سياسي وعدم المشاركة في عمليات اتخاذ القرارات، هي الأكثر تضررا من التلوث الصناعي والإهمال البيئي. يشمل الحق للعدل البيئي جانبان: جانب المساواة – هل تتوزع الأضرار البيئية بصورة متساوية بين جميع سكان الدولة؟ وجانب الإنصاف – هل يحظى السكان المتضررون بإجراء مُنصف لمعالجة الضرر؟ ربما مسألة توزيع الأضرار هي أقل أهمية عندما نتحدث عن مدينة صغيرة نسبيا ومختلطة ولذلك برأيي السؤال الثاني هو الأهم وهو يشمل أسئلة أخرى عدا الإنصاف: هل يتركز سكان حيفا العرب في أحياء مكتظة ومزدحمة بالمواصلات مثلا؟ أم أن هناك أسباب ومتغيرات أخرى؟ قضية حيفا والتلوث تتعدى حدود الحوار البيئي التقليدي وربما أمامنا مثال جيد يجسد لنا بأن الصراع البيئي هو جزء لا يتجزأ من الصراع الاجتماعي والسياسي. هذه دعوة لكل الناشطين وممثلي الجمهور لفتح النقاش، تحديد الأسئلة وتوجيهها ومطالبة وزارة الصحة بفحص هذه القضية وقضايا أخرى مشابهة بشكل أعمق.